![الدعم السريع التابع لآل دقلو](https://sudapost.online/wp-content/uploads/2024/10/216167217132216179216177217138216185.webp)
م. محمد عوض محمد
لم تكن حرب الدعم السريع وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تراكمات بدأت منذ عام 2003، حين ظهرت هذه المليشيا كأداة خفية داخل المؤسسة العسكرية لنظام الإنقاذ، مستغلة الدعم الذي وفره النظام لتصبح بمثابة حصان طروادة الذي يهدف إلى تقويض الدولة السودانية من الداخل..
برز اسم قائدها محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، كشخصية محورية تعمل بتنسيق استخباراتي وسياسي لإعادة تشكيل هوية السودان، مستهدفًا تحويل البلاد إلى دولة مليشيات تخدم أجندات خارجية.
في عام 2008، لعبت الصحفية البريطانية ذات الأصول السودانية نعمة الباقر دورًا بارزًا في ترويج خطاب المخابرات البريطانية داخل أفريقيا. استغلت لونها وجنسها الأفريقي لتضخيم الروايات حول انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، واتهمت الحكومة السودانية باستخدام أسلحة محظورة بالتعاون مع الصين وروسيا. تصريحاتها جاءت بعد لقاء مع حميدتي، الذي أظهر في ذلك الوقت تنسيقًا مريبًا مع قوات الحركة الشعبية في جنوب السودان.
هذا اللقاء كان له تداعيات مباشرة، حيث صدر بعده بخمسة أشهر قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة الرئيس عمر البشير وقيادات أخرى، بينما ظل اسم حميدتي خارج القائمة، في خطوة توحي بتهيئته لدور مستقبلي أكبر.
لم تكن هذه التحركات بعيدة عن سياق أوسع، قاده رجل الاستخبارات الأمريكية روجر وينتر، الذي يُعرف في منطقة البُحيرات بلقب “جاء الشيطان”. . كان وينتر العقل المدبر لتأسيس الحركات المسلحة على أسس عرقية، مستغلاً علاقاته مع قادة مثل موسيفيني في يوغندا وبول كيغامي في رواندا والحركة الشعبية في جنوب السودان.
لعب دورًا محوريًا في تسويق تلك الحركات لدى المؤسسات الدولية والحقوقية، مما وفر لها غطاء سياسيًا وعسكريًا.
نفس النهج ظهر في الدعم السريع، الذي شهد تحولًا كبيرًا بعد عام 2013 عندما أُجيز قانونه في البرلمان ليصبح قوة رسمية تحت مظلة جهاز الأمن والمخابرات.
نفذت المليشيا عمليات واسعة مثل “الصيف الحاسم”، مما عزز مكانتها العسكرية والسياسية، خاصة بعد طرد الحركات المسلحة إلى خارج الحدود.
مشاركة الدعم السريع في حرب اليمن ضمن التحالف العربي مثلت نقطة تحول مهمة، حيث أصبحت المليشيا بوابة للتواصل مع العالم الخارجي، خاصة مع الإمارات والسعودية. هذه العلاقة وفرت لها الدعم المالي واللوجستي، مما مكنها من بناء اقتصاد موازٍ ومؤسسات بديلة تهدف إلى تهيئة الساحة لإقامة دولة المليشيات. بعد الثورة السودانية، ظهر دور حميدتي كحاكم فعلي للبلاد، مستغلاً نفوذه الخارجي والميزانيات الضخمة التي كانت تُخصص له.
انقلاب 2019 لم يكن سوى خطوة أولى نحو تنفيذ مشروعه للهيمنة الكاملة على السودان، حيث عمل على خنق الدولة سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، ليصبح القوة الفاعلة والمسيطرة على المشهد.
رغم هذا النفوذ، ظلت الحركة الإسلامية السودانية العقبة الأكبر أمام مشروع حميدتي
. حاول الأخير استقطابها وبناء جسور معها لخدمة أجنداته، لكنه فشل في ذلك، مما عرقل خطته لإحكام السيطرة الكاملة على السودان ..
هذا الصراع يعكس حقيقة أن السودان يواجه معركة مصيرية، حيث تسعى قوى داخلية مدعومة بأجندات خارجية إلى هدم الدولة وإعادة تشكيلها وفق مصالحها. وفي هذا السياق، تبقى القوات المسلحة هي الأمل الوحيد لإنقاذ السودان من مصير مشؤوم تسعى إليه هذه المليشيات.