أخبار السودانمقالات

التسريب بين الحرب النفسية والابتزاز ..

 

يوسف عمارة أبوسن

في أكتوبر الفائت كشفت الزميلة رشان أوشي وهي صحفية محترفة ومجتهدة ولديها رصيد لا ينكره متابع، كشفت خفايا اجتماع للحركات المسلحة جاء فيه طلب منها ل ٥٠٪ من السلطة في الحكومة، بالإضافة لكمية من الأسلحة والسيارات والمعدات العسكرية ، كما أوردت رشان في نفس المقال تلقى الحركات لمبلغ ٧٢ مليون دولار من الدولة مقابل الاستمرار في قتال الجنجويد ..

 

 

ثارت عاصفة كبيرة حول هذا التسريب واستغله عناصر المليشيا وغرفها الإعلامية لضرب وحدة مكونات القوات المسلحة والقوات المشتركة ، كما اتخذت الغرف الإعلامية للمليشيا المقال المذكور مرجعا لتبني خط يروج لخلافات بين الحركات والجيش بمنطق (وشهد شاهد من أهلها) ..

 

كذلك هناك منشور للأستاذة رشان صدر قبل يومين أفاد نقلا عن (مصادر خاصة) بأن حركة مناوي قد اقترحت إعادة تقسيم السلطة وإنشاء مجلس أعلى للأمن والدفاع بالإضافة لاستحداث منصب نائب ثاني لمجلس السيادة، وهو الأمر الذي أثار أيضا موجة من ردات الفعل تشبه سابقتها وبنفس الآليات ..

 

في الحادثتين المذكورتين لا أركز عن مدى صحة ما ذُكر من تسريبات أو عدالة المصادر وموثوقيتها، وإنما في خطورة التعاطي مع مثل هذه التناقضات في هذا الوقت الحرج، فإن كانت تلك المعلومات صحيحة فالخطأ يقع على عاتق الجهات التي سربتها للإعلام ، سواء كانت تلك الجهة مقربة من صانع القرار أو جهة منافسة للحركات المسلحة تريد إفساد ما يجري العمل عليه بقطع الطريق أمام أي فرصة للمضي قدما فيه ، أما إن كانت تلك المعلومات خاطئة فلا أستبعد أن تكون الزميلة رشان قد وقعت في فخ بغرض تمرير معلومات مضللة، أو أُستغلت لقياسات محددة وعملية جس نبض ..

 

صحيح نفت بعض الحركات ما تم نشره ، لكنه نفي أقرب للنفي السياسي برد الحملات المضادة ، لذا لا يمكن التثبت من مصادر مستقلة وتحديد خطأ المعلومات أو صحتها، وهذا يعيدنا إلى إلقاء الملامة على الجهة التي تملك (بلف) المعلومات في أجهزة الدولة الأمنية والاستخبارية،

 

 

 

فإذا كانت تريد إفساد ملف محدد وتقطع الطريق أمام تسويات داخلية فالطريق لذلك ليس فضح العملية ككل وإنما التعامل معها في أضابير الدولة حفاظا على نسيج ووحدة الصف، فطريقة التحريض هذه وإدخال أطراف ثالثة في القضايا العامة هي طريقة معيبة تشير لتعدد الرؤوس في أجهزة الدولة وعدم ارتكاز صانع القرار فيها على ثوابت، هذا فضلا عن فاعلية وحضور عنصر الإبتزاز عبر إستدعاء محكمة الرأي العام، كما حدث مع (تفاهمات المنامة) التي وُئدت في مهدها أو (اتفاق نافع عقار) في فترة النظام السابق والذي سقط بعد توقيعه.

 

 

فالتعاطي بجهالة مع هذه الملفات في اللحظات المفصلية من عمر الدول قد يجر لشق الرأي العام الوطني وتهديد الوحدة الوطنية، وقد يؤدي لصناعة اصطفاف سياسي وإعلامي يقسم مؤسسات الدولة لفصائل وأجنحة متصارعة ..

 

إن قضايا الصراع السياسي الداخلي والتعامل مع التباينات واختلاف وجهات النظر بين صناع القرار، يجب أن تكون معالجتها بعيدا عن أجهزة الإعلام والرأي العام ، فعملية التسريبات ومحاباة بعض الصحفيين بالأخبار، هي عملية هدامة، إن لم تكن خارج إطار الحرب النفسية المستهدف بها العدو، وهذه ذاتها يجب أن يراعى فيها (من يُخبر بماذا وكيف يعالج ما أُخبر به ؟ ) ، فالصحفي المنوط به مثل هذه المهام ليس صحفي علاقات عامة، وإنما صحفي يعرف جيدا محددات الأمن القومي ومهدداته، ويعرف التوقيتات الملائمة لنشر المعلومة وكيفية معالجتها بما يحقق الغرض منها ..

يوسف عمارة أبوسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى