من ثقافتنا المادية السودانية، طراز العمارة الشعبية النوبية
د. سلوى عبد المجيد أحمد المشلي
طراز العمارة الشعبية النوبية
لقد عبر الإنسان منذ القدم عن جماليات ومعتقداته بشتى الأشكال التعبيرية من فن قولي، و فن مادي وجد في المخلفات المادية من فنون النحت و النقوش و الخزف و الرسومات الجدارية وغيرها.
لقد عرفت منطقة النوبة التي سنتناول طراز العمارة الشعبية فيها و التي تمتد من شمال السودان الي اسوان بجمهورية مصر العربية.
خلفية تاريخية للمؤثرات الثقافية التي مرت بها:
لقد عرفت منطقة النوبة بأنها مهد الحضارات النوبية من فن الرسومات الجدارية، بجانب انها البوابة التي مرت بها تيارات ثقافية مختلفة بتلاقحها مع الحضارات الأخرى منها الرومانية و الاغريقية و الآشورية و غيرها كما دخلت عن طريقها الديانة المسيحية والإسلامية.
ولقد لعب نهر النيل العظيم الذي أنشق في العصر الحجري الوسيط دوراً في نقل هذه المؤثرات الثقافية عبره في تشكيل الحضارة النوبية و عبر أرض النوبة في تشكيل جزء مهم من تاريخ السودان عامة.
لقد عاش الشعب النوبي في عزلة عن البلدين مما حفظ لهم عاداتهم و تقاليدهم المتوارثة التي حافظت على خصوصيتها، سكانها من الفاتدجا والكنوز و المحس و الدناقلا، هذه المنطقة غمرتها مياة السد العالي في ١٩٦٤م و بذلك اندمجت مناطق النوبة . ( الراوي محرم الطيب)
طراز العمارة الشعبية النوبية :
تبنى المنازل النوبية القديمة من الحجر و الطين اللبن ( الجالوص) وتحمل على قدح من القرع الكبير يسمى باللغة النوبية ( قصرية) أو قدح من الفخار و بعدها تبيض أو تليس ويسمونه (كستر ) اسطحها الخارجية بالطمي وتدهن إما بالألوان الطبيعية التي تنحت من الجبال أو تترك بلونها الطبيعي.
يبنى كل منزل كوحدة مستقلة عن جيرانه، و أغلبها لا تحتوي على نوافذ بل توجد بها مناور جمع منور او كوات جمع كوة وهي فتحات صغيرة في أعالى الجدران وشكلها قبابي. واجهات المنازل عالية الجدران ضخمة بواباتها تصنع من الخشب المحلي بمزلاج تقليدي كبير في شكل صليب يسمى كشر، وهي تتميز برسوم زخرفية تميز شكل العمارة النوبية على واجهة البوابات.
نموذج لمنزل قبل التهجير:
نموذج من قرية اشكيت:” المساحة ٤٠٠م بوابته في منتصف الحائط الأمامي من يمينه أو يسارة ديوان الضيوف و هو الأوسع و الأحسن اثاثاً في المنزل، تجاورها غرفة النوم، وباقي الغرف وهي في الغالب ثلاثة تجاورها على الحائط،
و في الخلف المطبخ و المخزن، وعلى طول الحائط الأمامي مسطبة عرضها متر و إرتفاعها نصف متر ومبلطة مثل الحوائط الحجر الجيري. (دفع الله، ٢٠٠٣م: ٢٤)
كذلك من المهم أن تبنى المزيرة لتحمل ازيار المياة و أحيانا تبنى زرائب للحيوانات المنزلية.
بعد أن غمرت مياة بحيرة ناصر في ١٩٧١م الناتجة من السد العالي القرى النوبية، و أدي إلى ترحيل أهلها و حرمان وادي النيل من طمي الفيضان المغذي للتربة. (ويكيبيديا)
و من ذلك نتج ضيق العيش و هجرة الرجال إلى مدن أخرى طلبا للرزق، وتحملت المرأة النوبية المسؤولية حتى بناء
و زخرفة منزلها واستعانت ببنائين من قبيلة المناصير والشايقية.
واصبح فن زخرفة البوابات من صميم عمل النساء، و لظروف اقتصادية واجتماعية احترف الرجال فن زخرفة البوابات،و من الأسماء التي اشتهرت أحمد بتول و حسن عرابي المعروف بحسن حوة كعادة النوبيين كمجتمع اموميو غيرهم.
ولقد كان لكل فنان اسلوب خاص عرف به مثلاً ادخل حسن عرابي بعض أدوات الرسم الهندسي مثل البرجل و المسطرة، و تفوقوا في طريقة التلوين خاصة أنهم ورثوا الرسومات الجدارية من ممالكهم النوبية القديمة و الرسومات الملونة خاصة في الصور الجدارية في الكنائس في العهد المسيحي للسيدة مريم العذراء وابنها السيد المسيح عليه السلام والملائكة والقديسين و غيره.
الألوان المستخدمة في الزخارف النوبية:
تجلب الألوان من الجبال وباطن الأرض مثل مادة الجير
و الكوالين يسمونه ( همر) و هو حجر ابيض، و المقر لون احمر من خام أوكسيد الحديد الذي يستخدم في تلوين أواني المطبخ الفخارية، و بعض النباتات مثل الكركدية والحنة، واللون الأزرق يضاف لمادة الهمر مادة زهرة غسيل الملابس الذي يستخدم في طلاء الحوائط و لون النيل، و اللون الرمادي بخلط مادة الهمر مع الرماد الأسود وهكذا.
وكان هنالك طلاء بجانب الطلاء السادة طلاء بالطرطشة.
أشكال الزخارف على البوابات:
منها رسومات الحيوانات و الحيوانات المحنطة والقرون ، والوريدات النباتية و الأشكال الهندسية من قبابية و مثلثات واشكال الاطباق و الهلال والنجمة وغيرها وكل شكل له مدلوله كرمز معتقدي َ، أو كرمز تاريخي كرسومات القوافل التجارية، والحلي التقليدية وغيرها.
للباحثين:
من كتاب غير منشور:
سلوى عبد المجيد أحمد المشلي:” الرموز الزخرفية على البوابات النوبية”، ٢٠١٩م، (كتاب غير منشور)، ص١- ١٦.