الهدف الأساسي من فخ جنيف هو إيجاد شرعية لوجود المليشيات في الحياة العامة للسودانيين بطرق أخرى غير الوجود العسكري و الذي بات مستحيلا لأسباب متعلقة بالمليشيا نفسها و بعد تدمير هيكلها العسكري ، و كذلك للالتفاف على التزامات منبر جدة الذي ظل هو العقبة الكؤود و الفخ الذي وقعت فيه القوى الراعية للمليشيا .
القوى الغربية الراعية للمليشيا وافقت على أن توافق المليشيا على التوقيع على منبر جدة لسببين الأول هو لتحصل على هدن خبيثة تحاول فيها إعادة صياغة خطة التعامل مع السودان بعد فشل عملية اختطاف السلطة و الجيش و التي كان من المتوقع أن تتم في الساعات الأولى من صباح ١٥ أبريل
، فهم جعلوا المليشيا توقع و لسان حالهم يقول اعطوا القوات المسلحة السودانية كل شيء تريده فهي لن تكون موجودة بعد أيام أو أسابيع و بالتالي يكون هذا الإتفاق حبر على ورق ،
فحسب حساباتهم فإن المليشبا في غضون أيام بعد فشلها في القبض على البرهان و قادة الجيش فانها ستنجح في تدمير معسكرات الجيش الرئيسية في العاصمة الخرطوم و ستدمر سلاح المدرعات و سلاح الأسلحة و قاعدة وادي سيدنا و ستدمر القيادة العامة و المهندسين و بالتالي يصير وجود الجيش شيء من المزاح و ستهيم باقي وحداته البرية بلا هادي و لا رقيب
و لذلك نجد أن هجمات المليشيا على الوحدات الرئيسية للجيش كانت مكثفة في هذه الفترة و كان الضغط على الحكومة و الجيش كبيرا للاستسلام أو الفناء كبيرا و لكن بعد فشل هذا السيناريو و بداية تحول المعارك في الخرطوم عندما فشلت الهجمات الكثيفة على المدرعات و تضعضعت قوى المليشيا في أم درمان و بدأ الجيش بالانقضاض عليها و خرج البرهان من القيادة العامة في ٢٤ أغسطس ، تحولت إستراتيجية القوى الراعية للمليشيا لخطط جديدة مفادها هو جعل المليشيا تنتشر في أكبر رقعة جغرافية ثم خلق شرعية لها .
ورطة القوى الغربية الراعية للمليشيا التي وقعت فيها في جدة هو أخذ التزام بخروج عصاباتها من المواقع المدنية و الخروج الى المعسكرات و هذا كابوس كبير يريدون الان التحلحل منه و ذلك عبر البدعة الجديدة و هي ( قوة حماية المدنيين )
تريد أمريكا أن تقول لنا أن الموجودين في بيوت المواطنين و المحتلين لها ليسوا مليشيا الدعم السريع و إنما إنما هي قوات حماية المدنيين ، و التي بالتأكيد لن تكون موجودة في معسكراتها أو في الخلاء و إنما وسط المدنيين و في منازلهم لأنها تحمي المدنيين ، و بالتالي تريد أمريكا أن تخرج من فخ جنيف.
و قد شرعنت إحتلال المليشيا لمنازل المواطنين بفرضها للاسم الجديد للمليشيا و هو ( قوة حماية المدنيين ) و التي هي مليشيا الدعم السريع نفسها و حتى إن منحت الادارة الأمريكية تنفيذا كاملا لاتفاق جدة
و أعادت المليشيا إلى معسكراتها و أخرجت المليشيا المعلومة و المدانة من المواقع المدنية و عادت مهمة حفظ الأمن و النظام و إنفاذ القانون إلى قوات الشرطة السودانية فإنها ستحشر معها المليشيا تحت إسم البدعة الجديدة ( قوات حماية المدنيين ) .
الإشكال الآخر الذي تريد أمريكا الخروج منه هو إشكال الشرعية للوجود على الأرض ، فأمريكا لن تستطيع أن تتعامل مع المليشيا كحكومة في أي شبر من السودان تسيطر عليه لأن تباين وضع العلاقات الدولية في العالم حاليا لا يمكنها من نزع شرعية الحكومة السودانية و قد فشل هذا النموذج في سوريا و كوريا الشمالية و عدد من النماذج ،
و لكنها تريد أن تستخدم أزمة التجويع التي صنعتها و بالضغط على الحكومة للقبول بشرعية أمر واقع للمليشيا عبر التعامل معها في ايصال الاغاثة ثم التعامل
مع الادارات المدنية الموجودة لديها باعتبارها سلطة أمر واقع ، رغم أن أمريكا و الغرب لن يقدموا أي إغاثات للشعب السوداني إلا بالقدر الذي يكمل هذه المسرحية السمجة .
لن تقوم أمريكا بفرض أي وقف لاطلاق النار و لن تسعى لذلك الا بالقدر الذي تحتاجه اعلاميا لتقديم هذه الورقة في الانتخابات و ستسعى أمريكا لدوزنة اعتداءات المليشيا على المدنيين بالقدر الذي يحقق أهدافها و ينفذ السيناريوهات التي تريدها .
هدف أمريكا النهائي هو تسييل الدولة السودانية و تفكيكها من كل النواحي الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، و المدخل لهذا التفكيك هو تدمير القوات المسلحة ، فشل هذا السيناريو في الاتفاق الاطاري و فشل هذا السيناريو في الحرب الخاطفة في ١٥ أبريل و فشل في الحرب الطويلة. بالهجوم على الفرق و الولايات و الان يحاولون عبر هذه الاتفاقات الخبيثة .
فخ جنيف و الذي يستمر لعشرة أيام كما ذكر المبعوث الأمريكي توم دقلو ليس مفاوضات و لا مباحثات و إنما هي ورشة عمل لصياغة السياسات الجديدة و حسابها بدقة حول الأهداف المرحلية الجديدة و إعطاء كل دولة مهامها و تطمين الخائفين ، علينا أن نعي حجم المؤامرة و توسعها و أن نبحث عن عناصر الصمود و نحيزها .
أيضا أمريكا في مأزق كبير جراء وجود تركيبة الحكومة بشكلها الحالي فأمريكا لا تريد أي وجود للحركات المسلحة في المعادلة القادمة و لذلك تسعى لابعاد الحركات المسلحة عن منظومة الحكم و منظومة التفاوض و منظومة العملية السلمية كما تدعي فهي لا تريد أن يكون هناك من يتحدث باسم أهل دارفور غير مليشيا الدعم السريع و ذلك لضمان قتل كل المظالم التي ارتكبت في هذه الحرب و التي قبلها منذ العام ٢٠٠٣
و ذلك لتنظيف صفحة المليشيا و محاولة تبييضها ، و هذا الأمر يتطلب أحد أمرين ، افقاد الحركات المسلحة وزنها السياسي و العسكري و ذلك عبر إسقاط الفاشر و تشريد أهلها و هذا الخيار تكلفته عالية من حيث الدماء و الأشلاء ، و الخيار الثاني هو دق إسفين في جسد التحالف بين مكونات الحكومة السودانية و من ضمنها حركات سلام جوبا .
أمريكا أيضا تحاول قضم شرعية الجيش في الحكم و المستمدة من خلال دفاع الجيش عن حقوق السودانيين و تريد أمريكا أن تهدد هذه الشرعية بجعل الجيش يقدم تنازلات لا يرضى عنها الشعب السوداني و بالتالي تضعف شرعيته في الحكم.
هذه أمريكا ، تبتز كل فاعل و تغري كل ضعيف و تلعب بكل شيء ، تظن أنها كل شيء و هي نمر من ورق ، جربت ذلك في العراق و أفغانستان و اليمن و سوريا و فيتنام و كوريا و كوبا و خرجت مهزومة منكسرة ،
و قد كانت أمريكا في ذلك الوقت قوة و الان هي كائن رخو ، يعيش توم دقلو حالة من النشوة جراء اجترار تاريخ هنري كاسنجر القريب و لكنه غدا سيصحوا متألما مفجوعا كما استيقظ سلفه جون غودفري
السودان مقبرة الغزاة الطامعين
حمدنا الله عبد الله