هناك “علاقة قوية” بين الجيش السوداني والتنظيمات الإخوانية، مما أدى إلى دعم كلا الجانبين لبعضهما في الحرب المستمرة في السودان منذ عام ونصف.
على الرغم من أن الجيش السوداني بقيادة البرهان لطالما نفى هذه العلاقة، حيث صرح رئيس المجلس السيادي بأن “الجيش خالٍ من الكيزان” “الإخوان” ، في إشارة إلى أنصار النظام السابق من الإخوان، إلا أن التنظيم قد “أثبت وجوده” كأحد الداعمين للجيش منذ البداية عند اندلاع الحرب وما تلاها من أحداث.
يبدو أن التأييد قد تجاوزته الأحداث، حيث نشبت مؤخرًا حرب كلامية بين قيادات من الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمين) وأنصارهم، وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان. هذه المواجهة كشفت الكثير من الأسرار حول الحرب وما سبقها، وألقت الضوء على “الصراع الخفي” بين الإسلاميين وقائد الجيش.
فماذا حدث؟
شن رجل الدين السوداني المقيم في تركيا، عبدالحي يوسف، هجومًا قويًا وغير مسبوق على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، مشيرًا إلى أن «الانتصارات» التي حققها الجيش على الأرض تعود إلى المقاومة الشعبية التي وصفها بأنها «تابعة للحركة الإسلامية».
في حديثه عن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ذكر عبد الحي في لقاء مع مركز “مقاربات”، الذي يتبع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ويقع في المناطق التي تسيطر عليها، أن “الحركة الإسلامية لا تضع ثقتها فيه، إذ إنه لا يلتزم بالعقود والاتفاقات”، موجهًا إليه اللوم بسبب تمركز قوات الدعم السريع في مناطق استراتيجية داخل الخرطوم والسماح لها بالتمدد.
كيف رد الجيش؟
عبّر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، يوم السبت عن رفضه للشكوك حول القوات المسلحة التي تواجه معارك شرسة ضد قوات “الدعم السريع”، وأعرب عن اعتراضه على نسب الانتصارات المحققة لأطراف أخرى، متعهدًا مرة أخرى بالقضاء على قوات الدعم السريع.
قال البرهان، خلال حديثه إلى حشد من الجنود في مدينة أم درمان: “الجيش ليس ملكاً لشخص واحد، وإذا كانت هناك جهة لديها فرد يقاتل من أجلها، فلتأتي وتأخذه. هذا هو جيش السودان”. وأكد على أن الجيش مستقل ولا يتبع أي جهة، وطلب عدم التحدث باسمه.
وأضاف: “أي شخص يشكك في ذلك نقول له تعال لترى بنفسك، لأن هناك أمس شخص تكفيري – ونحن نعتبره من التكفيريين – قال إنه لا يوجد جيش”، متابعًا: “نقول له ابق نائمًا في مكانك المنبوذ – أي البارد جدًا – لأنك لا تستطيع مواجهة الرجال والجلوس معهم”.
وعد البرهان الشعب السوداني بتسليم البلاد “خالية تمامًا من التمرد” في إشارة إلى القضاء على قوات الدعم السريع، قائلاً: “نحن منتصرون رغم أنف أي شخص، والله معنا وهو سينصرنا”.
كيف كانت استجابة الحركة الإسلامية تجاه تلك الحرب الكلامية؟
تباينت ردود الحركة الإسلامية تجاه البرهان، حيث أصدرت بيانًا أكدت فيه دعمها للجيش السوداني وقائده، وأوضحت أن عبد الحي يوسف ليس من أعضاء التنظيم.
رد قائد كتائب “البراء بن مالك” (التي تتبع الحركة الإسلامية) المصباح أبو زيد طلحة على البرهان بطريقة غير مباشرة، حيث كتب في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “قال أبو القاسم الحافظ بن عساكر: لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة. انتهى”.
كتب القيادي الإسلامي محمد السر مساعد على صفحته الرسمية على فيسبوك: “هل يظن البرهان أن الكيزان سيتصدون للجيش من أجله؟ إن انقلابك لن يستمر سوى بضع ساعات.”
كما ذكر الداعية الإسلامي ماهر مهران في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس”: “الشيخ عبد الحي يوسف بريء من تهمة التكفير. الشيخ غير متعصب سياسيًا أو مرتبطًا بأي جهة. هو إنسان عادي وليس معصومًا، لذا يمكنك أن تختلف معه أو تبدي رأيًا مخالفًا، ولكن بأسلوب مهذب ودون اتهامات باطلة”.
فكيف سيؤثر ذلك التصعيد على حرب السودان؟
يذكر الكاتب والمحلل السياسي محمد الأسباط في حديثه لـ “العين الإخبارية” أن هجوم عبدالحي يوسف على قائد الجيش يعكس “صراعاً خفياً بين الإسلاميين وقائد الجيش”.
وفقًا للتجربة، فإن “الإسلاميين، وخاصة قيادات المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم السابق برئاسة الرئيس المعزول عمر البشير)، يعتمدون عادة على بعض الأصوات الموالية لهم، حيث يرتبطون بمصالح مشتركة ويستخدمون هؤلاء الأشخاص لإطلاق بالونات اختبار. وهذا ما شهدناه في الأيام الأخيرة للرئيس المخلوع عمر البشير، حين قام عبد الحي يوسف بإصدار بعض التصريحات والفتاوى التي كانت تعبر بشكل مباشر أو غير مباشر عن وجهة نظر الرئيس المخلوع وحزبه الحاكم”، يضيف الأسباط.
أشار المحلل السياسي إلى أن الحرب الكلامية التي نشبت بين عبد الحي والبرهان كانت بمثابة اختبار لقياس عدم رضا جزء كبير من تيار الإسلاميين تجاه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وأضاف: “لذا، من المتوقع أن يتصاعد الصراع في المرحلة القادمة وتكون المواجهات مفتوحة إذا لم يتدخل قادة المؤتمر الوطني الذين يتبعون أيضًا مبدأ التقية والانحناء أمام العواصف”. ومع ذلك، توقع أن لا يؤثر التصعيد على الحرب، مشيرًا إلى أن “حتى المجموعات التي تقاتل مع الجيش من المجاهدين هم قلة قليلة وليس لهم تأثير حقيقي في المعارك ودور فعّال في مجريات الحرب”.
في نفس السياق، أشار الكاتب والمحلل السياسي الطاهر أبو بكر، في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إلى أن “نسبة الانتصارات في المعارك الحربية للداعية الإسلامي عبد الحي يوسف لصالح المقاومة والمجاهدين، مع تجاهله لدور الجيش السوداني، لا تترك مجالاً للشك في أن التنظيم الإسلامي هو المسؤول الحقيقي عن إضعاف القوات المسلحة وتقسيم الدولة وإهانة كرامة السودانيين”.
وأضاف أبو بكر أن “هذه ليست حرب الشعب، بل هي حرب الحركة الإسلامية التي اختارت التضحية بالوطن من أجل تعزيز سلطتها وتأمين مصالحها الضيقة على حساب وطن عانى من المؤامرات وضاق بأبنائه”.
«زيف الشعارات»
من جانبه، أشار الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان، إلى أن تصريحات عبدالحي “تظهر زيف شعارات هذه الحرب، وتؤكد أن من تسبب فيها يسعى لاستعادة سلطته على حساب أرواح السودانيين”.
وأضاف عثمان أن “هذه العصابة تواصل تهديداتها ووعيدها للقوات المسلحة. فقد ذكر عبد الحي، الذي نهب ملايين الدولارات من قوت الفقراء والمحتاجين، أن البرهان لن يتمكن من إبعاد الإسلاميين لأنهم متواجدون حتى داخل مكتبه، وأن الانتصارات ليست بفضل الجيش، وإنما بفضل ما سماها كتائب المجاهدين.”
وأكمل قائلاً: “لقد قامت هذه العصابة بتفكيك القوات المسلحة أولاً عن طريق الاختراق، وثانياً من خلال إنشاء قوات موازية لها. وقد حان الوقت لكل فرد وضابط في القوات المسلحة أن يفهم أن هذا التنظيم يستخدمهم كأداة لتحقيق حلمه في العودة إلى السلطة.”